٤‏/٦‏/٢٠٠٦

حدث بعد خمسين عاماَ - مسرووق

معرفش مين التحفة اللي مألف ده - جالي عالميل بس على رأي المثل ... لاكتيويل - أي لايك إت :)


بريد الأهرام

يعد الصفحة : تامر عبد الوهاب مطاوع

حدث بعد خمسين عاماَ

(الجزء الأول)

أنا يا سيدى من أتى عليه الدهر وجار، فقد تجاوزت الثمانين باشهر قليلة، ولم يتبقى لى الكثير، وأشعر وأنا أودع الدنيا أن هناك هما وكأنه الجبل على كتفى، وأخشى لقاء ربى، وكم أنا مدين لملايين المصريين، وأسال الله المغفرة والصفح منهم جميعاَ، فقد نشأت فى أسرة من علية القوم وكان أبى حاكماَ لمصر على مدى 22 عاما حتى عام 2005 . وتربيت فى أحضان أبى الحنون العطوف الذى لم يدخر جهدا فى اسعادنا أنا وشقيقى وأمى رحمة الله عليهما.

وأتذكر وقت أن تولى أبى حكم مصر و (كان اسمها جمهورية مصر العربية وقتئذ) وكنت وقتها صبيا فى الثانية عشرة من العمر، ويكبرنى أخى بعامين. وكم كانت الدنيا جميلة والحياة حلوة، والعلاقات طيبة بين الناس، والخير يسود البلاد، فلا أذكر أننى طلبت شيئا من أى مصرى ورفضه، بل على العكس كنت أطلب نصف المليون من أى مستثمر، فكان يعطينى عن طيب خاطر مليونان أو ثلاثة، وكان أبى يغرس فينا حب العطاء بالمقابل، فكان يتأكد بنفسة أننى رددت الجميل للمستثمر فى شكل تسهيلات، وكانت أمى بإبتسامتها الرقيقة بعد كل صلاة تشاهدها فى التليفزيون تدعى لنا بزيادة عدد المستثمرين.

وقد كان أبى يعود فى المساء من ديوان الرئاسة وتستقبله أمى بإبتسامتها الرقيقة، وتعد له طعام العشاء ونجلس بعد العشاء مع أبى وأمى وأخى نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث، ويحكى لنا أبى ما لاقاه من عناء العمل ونتبادل النكات على الشعب المصرى، وتشاركنا أمى الدعابة، وكانت مثلا ترفع سماعة التليفون وتقيل محافظا أو وزيرا، ويرد عليها أبى بالمثل ويقيل رئيس وزارة، أو يعتقل صاحب توكيل إحدى ماركات السيارات، وكنا نضحك وكانت ضحكاتنا من القلب، وكان من عادة أبى بعد أن نتناول العشاء أن يعطى أمى حقيبة بها بضعة ملايين هى كل حصيلة يوم عمل للشعب، وتقوم أمى بإيداعها فى الخزينة تمهيدا لتسفيرها بنوك سويسرا فى اليوم التالى.

وكان أبى يحرص على أن نتابع الصلوات الخمس فى التليفزيون، وكان من عادته أن يأوى لفراشة بعد مشاهدة صلاة العشاء بالتليفزيون، وكان من عادته أيضاَ كل عام التوجه للـ "الفريضة" فكان يسافر فى الصيف لشرم الشيخ ويطوف بالمسثمرين لتأدية "الفريضة" . وإعتاد أبى أن يصطحب أخى معه لقصر الرئاسة منذ نعومة أظافره، وكان يقسو علي أخى حتى قوى ساعداه وراح يعتمد عليه فى رئاسة المؤتمرات والمنتديات الإقتصادية

وكانت أمى لا تدخر جهدا فى معاونة أبى فى عمله، وبرغم مرضها فقد كانت تصر على الخروج بعد ذهاب أبى للعمل، وتجدها تارة ترأس مؤتمر نسائى، وتارة تفتتح مكتبة، وتعود بما يرزقها الله من بضعة ملايين هى عناء يوم كامل، وتعطيها لأبى الذى كان يتوسل إليها فى كل مرة أن تبقى بالبيت لتنعم بالراحة، ولكنها كانت تصر على معاونته وتقول له " لا تنسى أن الحمل ثقيل على كاهلك، ولم تعد صحتك كما كنت فى شبابك، وأنت لم تعد تقدر على جمع العمولات وحدك، ومصر لا تزال بها الكثير" وكان أبى يقبل يداها ويدعى لها بكثرة المؤتمرات، ونقوم فى نهاية جلستنا بإحصاء الرزق اليومى وكان وقتها لا يتجاوز الخمسة مليارات دولار، فقد كان أبى لا يزال فى أول فترة الرئاسة.

وسارت الحياة على هذا النحو الجميل حتى كبرت أنا وكبر أخى جمال أيضا. وبلغت منتصف العشرينيات من العمر، ودق قلبى لأول فتاه رايتها فى حياتى، وكانت وقتئذ بادئة فى تقديم فوازير رمضان، وظلت علاقتى بـفتاتى فى الخفاء عدة اشهر، ولم ابوح بها لأحد، ولكنه قلب الأم الذى يستشعر كل شيىء من خلال التقارير.

وألمحت لى أمى ذات يوم بأن الفتاة ليست من طبقتنا، وأن قلبها لا يشعر بالإرتياح لهذه الفتاة، وتعلمت اول درس فى حياتى وهو أهمية رضا الأم، فقد صدق المثل الذى نتداوله فى عشيرتنا والذى يقول "مالا ترضاه الأمهات، تصفيه المخابرات" وبالفعل كان إنتقام القدر من الفتاة فى حادث سيارة حتى أوقعها مشلولة ونالت جزاؤها. ومرت الساعات ونسيت فتاتى، وتعلقت بمطربة تونسية لطيفة الملامح، ولم ترضى عنها أمى أيضا، ولم يتسع وقتى لمعرفة كيف كان انتقام القدر منها، وغيرها وغيرها.

أما أخى فقد كان على النقيض، فلم يكن يسعى لمثل هذه العلاقات، ولكنه كان انطوائيا وليس له صداقات سوى بعض المستثمرين وكان يخجل من الكلام مع الناس إلا مع رجال الأعمال، وكان أخى متسامحاَ فى حقوقه مع الناس حتى أن وكيل إحدى ماركات السيارات الفرنسية رفض التنازل له عن الوكالة، وضاق صدر أخى بهذا التصرف الذى لا يأتى من إنسان " وجيه"، فما كان من أخى إلا أن ترك هذا الرجل لإنتقام القدر ومات الرجل كمدا وهماَ، وصدق المثل الذى يقول " شاركنى ياصاحب التوكيل، وإلا حاتموت ذليل".

سيدى ... لم تمض الحياة معنا حلوة كما نتمنى، فقد تخلل حياتنا الكثير من المتاعب، فقد بدأت الدنيا تتربص بى - وكنت وقتها فى العاشرة من سنوات عمرى - فبعد أن أخذت حمام كالعادة، عطست، وقلق أبواى بشدة وظنا أننى أٌصبت بنزلة برد، وشحب وجه أمى وصاحت فى وجه أبى "إعمل أى شيىء، هاتله الدكتور، إنشالله حتى ياخد أتعاب" وتم إستدعاء طبيب أطفال وكان وقتها أستاذ جامعى مغمور، وطمأن أمى على حالتى، وماهى إلا ساعتين وكنت قد انتهيت من العطس، بفضل الله، ودس

أبى يده فى جيبه ليعطى الدكتور أتعابة، فلم يجد فى وسط العملات التى أخرجها من جيبه أى عمله مصرى، وفهمت أمى ما يعانية أبى من حرج، وتصرفت فى الحال، فقد كانت تعلم ظروف أبى، وبإبتسامتها المعتادة طمأنت أبى "أنا حاتصرف" وبالفعل أجرت مكالمة تليفونية، وبعدها ودعَت الطبيب الذى خرج شاكرا وقبل يداها، وسألها أبى كيف تصرفت، فأجابته على الفور "أبداً، عملته وزير التعليم"، وتنفس أبى الصعداء، وفى الحال رفع أبى يديه للسماء وراح يتمتم فى صوت خافض " الحمد للمقاولات "، وسألته أمى "تقصد الحمد لله"، فقال لها " لأ... أقصد شركة الحمَد للمقاولات ...دى شركة مقاولات كنت ناسى انها بدأت إستثماراتها فى مطروح ولسة مادفعوش العمولة"، وعندها بادرته أمى بإبتسامتها الرقيقة "يووووه يابو جمال...الناس دفعوا اللى عليهم من زمان، بس أنا نسيت أقولك أنهم ماقدروش يدفعوا غير تلاته مليون دولار لأنهم متعثرين، قلت ومالوا، يكملوا بالباقى سجن"، ولأول مرة أجد أبى يصيح فى وجهها " طيبتك دى حاتخرب بيتى "، وطمأنته أمى بإبتسامتها الرقيقة "معلش، إعمل الخير وإنساه، فى بنوك سويسرا تلقاه" .

ومرة أخرى ياسيدى تتربص بنا الدنيا، وجاء دور أمى، فقد أُصيبت المسكينة بفشل كلوى، ولم يفلح العلاج الطبى معها، وتطلب الأمر نقل كلية، وأقسم أبى بالرغم من ظروفه أن يجرى لها العملية مهما كانت التكاليف، ولو أدى الأمر لرهن قطعة الأرض (كان أبى يمتلك قطعة أرض تمتد من البحر المتوسط شمالا للسودان جنوبا ومن البحر الاحمر شرقا الى ليبيا غربا)، أو حتى بيع المصريين .

وبدات رحلة المتاعب مع البحث عن متبرع يتوافق مع أنسجة أمى، ووجدنا الكثير من مجندى القوات المسلحة يصلحون، فقد وصل عدد المتطوعين للتبرع بالكلى أربعة آلاف مجند، خاصة بعد الأمر العسكرى رقم 433 لسنة 1992 والذى بموجبه يخضع أهل الخير من المجندين للفحص الشامل تمهيدا لإختيار المتبرع، وتم أختيار أحدهم بعد عمل كافة الفحوص، ولكن .... ماذا أقول يا سيدى؟ فليس كل ما يتمناه المرء يدركة، فقد تم استبعاد هذا المتبرع، ولم يحظى المسكين بمكافأته بالتسريح من الخدمة قبل موعده بشهرين، والسبب أن أهل الخير من أصدقاء أبى نصحوه بالحصول على الكلى من متبرع برتبة لواء - لا أقل - توقيراً لأمى، وبالفعل تم استدعاء هذا اللواء للتبرع بالكلى، وفى أثناء نقله بالتروللى أمامى لغرفة العمليات، مددت يدى لأصافحه، وكم كانت فجيعتى وجرح كرامتى عندما رفض هذا المتبرع مصافحتى لأشكرة على شهامته للتبرع بالكلى من أجل أمى، وكانت حجته أن يداه مكبلتا بالكلبشات ولا يستطيع مصافحتى، وتضايقت من موقفه قليلا، ولكنى قلت لنفسى معلهش، وإكتفيت بما سوف يلاقيه من انتقام القدر بعد العمليه. وما أن خرجت أمى من غرفة العمليات، وفتحت عيناها، ولمحت إبتسامتها الرقيقة، حتى رأيت أبى فى لمح البصر يسجد على الأرض وجبهته تلمس الأرض، فقد طُلب منه أن ينبطح فورا لدى الشك فى أى حركة غير آمنة بمحيط تواجده، وقام من السجدة شاكراَ لرجال الأمن هذه اليقظة.

ودخلت أمى غرفتها، وأتى الدكتور محمود الذى أجرى لها العملية وراح يطمئن أبى بأن الجراحة كللت بالنجاح، ورأيت الجراح يتهامس مع أبى ويمتدح ظروف الجراحة، وإستدار الدكتور محمود لأمى وقال لها: دكتور محمود: هذه أول مرة فى حياتى أشوف رصيدك من الخير يرجعلك فى شكل مكافأة من السما، تصورى سيادتك بعد ما نقلت الكليه من المتبرع، سألته إن كان يحب يتبرع بالكلية التانية بالمرة، وفهمت من صمت المتبرع أنه لا إعتراض، وفعلا نقلت الكليتين لسيادتك"

سوزان: إوعى يا دكتور محمود يكون المتبرع ماقدرش يرفض عشان كان تحت البنج؟ دكتور محمود: يافندم اللى عايز يعترض .. بإيده، وإن ماكانش بلسانه، وإن مكانش يبقى بالنية، وده أضعف الإيمان .. موش بيقولوها كده فى الأحاديث برضه؟

وغادر الدكتور محمود الغرفة، وأثنى أبى على الثقافة الدينية للدكتور محمود، وتمنى لو أن منصب وزير الأوقاف كان شاغرا . ورحنا نتبادل النكات على المصريين، وفجأة .... سمعت صرخات وعويل من أسرة المتبرع بالغرفة المجاورة، وعرفت عندئذ أنه "إنتقام القدر" .

ومرة أخرى بعد ربع ساعة أتى الدكتور محمود للإطمئننان على حالة أمى، وخرج، ونظر أبى لعمو "صفوت" وراح يسأله : تفتكر الدكتور كده رايح جاى عايز حسنة؟ أديله عشرين جنيه مثلا؟ ونفى بشدة عمو صفوت فكرة أن يكون الدكتور عايز حسنة، وأكد لأبى أن الدكتور محمود .. شريف بالفعل، وهنا تدخلت أمى، وبإبتسامتها المعهودة قالت : مالكوش دعوة ...دى عمليتى أنا، ومكافئته من عندى أنا، اطلبلى رئيس الوزارة ياحسنى، وأمسك أبى بالتليفون وراح يطلب أول ثلاثة أرقام، ووضع السماعة، و إستدار أبى يسأل صفوت:

حسنى : هوه مين رئيس الوزارة عندنا دلوقت؟

صفوت: على لطفى ياريس.

حسنى : آه صحيح، أنا فاكر الإسم ده، طب نمرته كام؟

صفوت: عنك انت ياريس، أصل نمرته معقدة، دى من7 أرقام .

حسنى : إنشالله تكون من8 أرقام، انت فاكرنى غبى، ولا انت مصدق حكاية "لا فاش كيرى"؟

صفوت : طب من الشمال لليمين دوس على رقم 5 وبعد كده دوس على الباقى أصفار

حسنى: يعنى بعد مادوس 5 أقفل الخط ؟

صفوت: لا ياريس، دوس الأول 5، وبعدين دوس عالصفر وكررها ست مرات

حسنى: (يضغط على الأزرار) 5، 0، 5، 0، 5، 0، 5، 0، 5، 0، 5، 0

ويأتى صوت يقول : هذه رسالة مسجلة، تأكد من الرقم الصحيح، وهنا يصيح أبى فى دهشه:

حسنى: الظاهر انه خرج ومشغل الآنسر ماشين، أسيبلة رسالة يا سوزى ولا اطلبه تانى؟

وإبتسم عمو صفوت فى خباثة، وقام بشد الكرافته الشيك بتاعته، وأخذ عمو صفوت التليفون من أبى وطلب الرقم وأعطى السماعة لأبى الذى أعطاها بدوره لأمى . ونظرت أمى لأبى شذراَ، وقالت له : تفتكر إيدى اللى فيها الجلوكوز تقدر تمسك سماعة التليفون ؟ شغل الـ سبيكر فون يا... آه يانارى من تصرفاتك ياحسنى. ورحنا ننصت معا للحوار على الـ سبيكرفون:

على لطفى: حمدلله على سلامتك يافندم

سوزان : مرسيى يا لطفى ..باقولك إيه ..عندنا وزارات إيه فاضية دلوقت؟

على لطفى: (بعد برهة صمت) ...عندنا إيه...عندنا إيه.. كله مشغول يافندم

سوزان: يعنى إيه كل ماطلب منك وزارة تقوللى كله مشغول مشغول، بعد كده حا خليك "خارج الخدمة"، إتصرف فضيلى أى وزارة. وهنا يخرج أبى ورقة صغيرة من جيبة يطالعها بسرعة، ويهمس لأمى : قوليلة على بتاعة الحَكَم (بفتح الحاء والكاف). وتسمعة أمى وتتحاور مع لطفى مرة أخرى: سوزان : طيب ما تشوف اللى بيقول عليها حسنى دى، بتاعة الحَكَم (بفتح الحاء والكاف)!!!

على لطفى : (بعد برهة صمت) .. الحَكَم ... الحَكَم .. يقصد سيادته وزارة الحكم المحلى، خلاص ماشى يافندم . طب إسمه ايه يا فندم الوزير اللى حايمسكها ؟

سوزان : اسمه محمود شريف .. دة الدكتور اللى عمللى العملية يا لطفى .. راجل يستاهل كل خير.

على لطفى: أيوه يافندم .. بس دى وزارة إدارية، بتاعة الإدارات الحكومية ... وده طبيب سيادتك .. أنا خايف بس مايعرفش يمشيها .

سوزان: يوووه يالطفى .. هوه يعنى وزير الكهربا كان كهربائى، ولا وزير الرى كان جناينى؟

على لطفى: خلاص ماشى يافندم ... مبروك لمصر الوزير الجديد، طب باقول أيه يافندم، أنا يعنى ...

سوزان : فيه ايه يالطفى؟ ما تتكلم

على لطفى : أبدا .. بس أنا عارف إن عملية سيادتك اتكلفت كتير والحمل عليكو كبير، وربنا قدرنى وجمعت لسيادتك قد خمسة سته مليار فضلة خيرك تمشى بيهم نفسك لغاية ماتشدى حيلك.

سوزان : ميرسى يالطفى . وتغلق الخط

وتصيح أمى فى أسى : يووووه .... نسيت اسأله بالدولار ولا بالجنيه

صفوت : (فى صرامة وجديه) لأ يافندم .. إحنا عملنا ضريبة المبيعات بالجنيه.

وهنا يتدخل ابى ويوجه كلامة لصفوت : آه .. ونخلى ضريبة المشتريات بالدولار. صح؟

ولكن عمو صفوت يتجاهل مقولة أبى وينظر فى ساعته، ويتهيأ للإنصراف مودعا أمى :

صفوت : ألف لا بأس يافندم ... وبعيد الشر عليكى .. إنشالله شعب مصر كله وانتى لأ.

ويغادر عمو صفوت الغرفة دون أن يعير أبى أى إنتباه، ولكنه يقف عند باب الغرفة ويستدير ليخاطب أبى:

صفوت : على فكرة ياريس .. عندك مؤتمر صحفى بعد عشر دقايق عشان عملية الهانم.

حسنى: وانت مش حا تستنى معايا ؟

صفوت : لأ . ما نت عارف .. أنا رايح بدالك الإجتماع الموسع بتاع رؤساء البنوك .

حسنى : آه صحيح . طب ماتنساش الحصيلة بتاعة الإجتماع دهوت، وديهالى عالبيت.

صفوت (بصوت خفيض حتى لا تسمع سوزان) : وما تنساش السر بتاع العملية.

حسنى : (فى دهشة وبصوت مسموع) : سر ؟ سر إيه؟ ... آآآآه فهمت فهمت فهمت روح انت دلوقت يا صفوت.

ورأيت أمى لأول مرة تثور على أبى، وتصيح فيه:

سوزان : سر إيه، وعملية إيه؟ هو إيه الموضوع بالضبط ياراجل انت.

حسنى (فى حشرجة صوتية) : أأأنا ماعرفش سر ايه.. تلاقيها حاجة فى العملية بتاعتك ومش عايزينك تعرفيها.

سوزان : يامصيبتى ... يكون ياراجل العملية خطيرة ولا بايظة ومش عايزين يقولولى؟

حسنى : يووووه بقى ... عندك الدكتور إستفسرى منه. أنا رايح الزفت (يقصد المؤتمر) الصحفى. وينصرف أبى، ويخرج من الغرفة مهرولا، وتدخل الممرضة وتغلق الباب بعد انصراف أبى. وتطلب أمى من الممرضة الإتصال بالدكتور محمود شريف والحضور فوراَ.

وتستجيب الممرضة وتنصرف، ولكن بعد دقيقة يأتى مراسل عسكرى برتبة لواء ويقدم التحية العسكرية لسوزان، ويتسمر واقفاَ مركزا بصرة على سقف الغرفة، ويده مشدودة فى تعظيم السلام العسكرى، وراح يتلو فى لهجة عسكرية صارمة وصوت أجش وكأنه النشيد:

المراسل : تمام سيادتك يافندم، تم البحث عن الدكتور محمود فى كافة الأنحاء وإتضح من تقارير المخابرات أنه الآن ليس طبيب، بل وزير الحكم المحلى لجمهورية مصر العربية، وهو برفقة السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء فى جوله بالمحافظات لتسليمه مهام المنصب الجديد.

سوزان : يا مصيبتى فيكم. غور من وشى، وهاتو من تحت الأرض.

المراسل : تمام سيادتك، علم، وسوف ننفذ الأمر الأول و الأمر الثانى. ويهم المراسل بالإنصراف، ولكن بعد أن يؤدى التحية العسكرية، وبينما هو يلتف مستديرا للخلف فى حركة سريعة وعنيفة، تصطدم يده بحامل الجلوكوز عند قدم السرير ويظل يتارجح الحامل، وتقع زجاجة الجلوكوز على الأرض وتصطدم بالسرير المعدنى، محدثة صوتا يشبة الإنفجار المكتوم، وتنسلت الإبرة من يد السيدة سوزان محدثة ألما شديدا فتصرخ .

فى هذه الأثناء يعتقد رجال الحرس الخاص المرابض خارج الغرفة بوجود إعتداء على السيدة الأولى بسبب صراخها و صوت الإنفجار المكتوم، وفجأة ينخلع باب الغرفة من المفصلات، ويقع الباب للداخل، ويدخل أربعة رجال شاهرين مسدساتهم أمامهم، ويقوم أحدهم بتفريغ طلقتين من مسدسة الكاتم للصوت فى رأس المراسل، ويقوم الحراس بجرة من رقبته للخارج بينما الدماء تنهمر من راسه.ولكن السيدة سوزان تشرح لرئيس الحرس بأن المراسل الذى إغتيل لم يكن مذنبا.

فى هذه الأثناء، يترك حسنى المؤتمر الصحفى و يأتى مهرولا وخلفة الصحفيون، حتى يصل باب غرفة السيدة سوزان، ويستقبله رئيس الحرس ويبادر بطمئنته :

حسنى : فيه إيه بالضبط ؟

رئيس الحرس : إطمن سيادتك، كله تمام، أنهينا المحاولة المشتبهة، وكل الخسائر تتلخص فى إنفلات إبرة الجلوكوز و قتل اللواء المراسل بالخطأ. ولكن إتضح أنه حادث عارض وليس محاولة إعتداء.

حسنى : طب وبعدين، حاتتصرفوا إزاى دلوقت؟.

رئيس الحرس : بعتنا نجيب إزازة جلوكوز غيرها يا فندم .

حسنى : طيب متشكر، خلوا بالكم منها. وانصرف الريس ومعه صحفيو الرئاسة (غير مسموح لأى صحفى تابع لأى جريدة بالتواجد)، وراح السكرتير الشخصى للرئيس يعطى تعليماته للمصور ومخرج المؤتمر بالإستعداد، ونادى المخرج على إحدى الفتيات التى تقوم بدور الصحفية:

المخرج: الآنسة هناء عمارة، ياللا إبدأى سؤالك رقم واحد لسيادة الريس .

هناء عمارة (تمسك الميكرفون) : حمدالله على سلامة السيدة الأولى يافندم، إيه نوع العملية الجراحية؟

الريس: نو كومنت، بس هى عملية نقل كلى وخدناها من واحد لواء متطوع بأمر وزير الدفاع.

هناء عمارة : ده بالنسبة لنوع العملية، طيب إيه نوع المرض اللى عند السيدة الأولى؟

الريس : نو كومنت، كان ورم خبيث فى البروستاتا باين ولا حاجة زى كدة.

المخرج يصيح : ستووووب، معلش سيادة الريس كلمة (نو كومنت) دى لما تكون سعاتك موش عاوز تجاوب. وبعدين الورم موش فى البروستاتا، ده فى الكلى. كلاكيت تانى مرة.

هناء عمارة (تمسك الميكرفون) : حمدالله على سلامة السيدة الأولى يافندم، إيه نوع العملية الجراحية؟

الريس: نو كومنت.

هناء عمارة : ده بالنسبة لنوع العملية، طيب إيه نوع المرض اللى عند السيدة الأولى؟

الريس: ورم خبيث، بس الحمد لله ما جاش فى البروستاتا، جه فى الكلية.

المخرج يصيح : ستووووب، معلش سيادة الريس، الظاهر إن سيادتك مرهق شويه، على العموم هانعملة على شكل حوار صوتى مع الدوبلير الإذاعى، وهانعرض صور سيادتك عالشاشة من خلال لقطات من أى مؤتمر قديم.

الريس : أحسن ياسى زفت، غور انت والمصور بتاعك، تعالى يا هناء.

هناء عمارة : أفندم ياريس ؟

الريس: ها . انا كلمت أخوكى عبد المنعم، ووافق.

هناء عمارة : الشرف ليا يا سيادة الريس، إمتى كتب الكتاب و ....؟

الريس: بكرة فى الاسماعيلية، وبالنسبة للموضوع التانى، طلعت قرار النهاردة إن عبد المنعم يمسك محافظ الاسماعيلية.

وبعد دقائق، حضر صفوت الشريف مرة أخرى، وجاء مسرعاَ ليطمئن على سوزان :

صفوت: سلامتك يافندم، الولاد بتوع المخابرات بلغونى فى العربية بالحادث وعرفت منهم إن إبرة الجلوكوز إتسلتت من إيد سيادتك، ألف سلامة يا فندم. والتفت صفوت ليجدنى فى ركن الغرفة مراقباَ لكل ما حدث، ونظر لأمى وسألها:

صفوت : إوعى يكون الولاد قتلوا الضحية قدام علاء بيه وشاف منظر الدم !!!

سوزان : لأ الحقيقة الولاد مرتبين جدا، واحد منهم كان مخبى عين علاء بإيده عشان مايشوفش، والتانى كان بيخلص على اللواء المراسل، والتالت كان بينضف النزيف من على الأرض أول بأول.

صفوت : كدة .. طيب الحمد لله. أنا ماشى بقى، وآدينى إطمنت علي سيادتك.

سوزان : لأ .. قوللى إيه حكاية السر يا صفوت .

صفوت : والله كدة بتحرجينى يافندم، لكن مابعرفش أخبى على سيادتك، ولو أنى خايف سيادة الريس يزعل منى، لكن حاقوللك وأمرى لله. الحقيقة إن الحكاية موش فشل كلوى ولا حاجة، دة بس كان ورم خفيف فى الكلية الشمال، وآدينا شلناه والحمد لله. والدكتور محمود شريف اشطر واحد فى حكاية الأورام.

سوزان : يعنى الحكاية بسيطة يا صفوت؟ قوللى أنا زى أختك.

صفوت : أقسم لك بحياة علاء بيه، وحياة جمال بيه، اللى هما أغلى من ولادى ومن أحفادى، الموضوع ما فيه أى حاجة غير اللى قولته لسيادتك، ده مش كدة وبس، أنا من نفسى خليت الولاد بتوع المخابرات ياخدوا تعهد على الدكتور بإن الكلية الجديدة لو باظت، يبقى هوه المسئول، وفى الحالة دى، هوه عارف ان كليته هى اللى حاتتاخد مكان دى لو حصلها حاجة.

وهنا تبادر إلى ذهنى أن أسأل عمو صفوت عن بعض الأمور التى جاءت فى سياق كلامه:

علاء: عمو .. انت فعلا بتحبنى أكتر من إبنك بجد؟

عمو صفوت : طبعاَ يا علاء، هى دى عايزة تأكيد.

علاء: وبتحب برضة أخويا جمال أكتر من ولادك؟

عمو صفوت : طبعاَ يا علاء، هى دى عايزة تأكيد.

سوزان : كفاية كدة ياعلاء بقى، موش قلنا ميت مرة بلاش الأسئلة اللى بتحرج الكبار دى، وقوم عشان تروح البيت تنام مع أخوك جمال. وبالفعل، إنصرفت بصحبة سائق الرئاسة وهو رجل نوبى إسمة عم حسان تجاوز الخمسين، وفى الطريق جال بخاطرى أن أتحاور معه:

علاء: العربية دى حلوة قوى يا عمو حسان. دى بتاعة مين ياعمو؟

حسان: دى ملك الدولة يافندم.

علاء: يعنى مش ملك بابا؟

حسان: الدولة ملك بابا يافندم.

علاء: يعنى ما ينفعش آخد حتى نصها ؟ حسان : ممكن يا فندم.

علاء: طب ماتكلم بابا يكتبلى نصها حتى أو أشاركه فيها؟.

وفجأة، داس عم حسان على مكابح السيارة وأوقفها وسط صراخ الإطارات وكأنه أوشك على الوقوع من التل .. وراح يحدق فىَ بذهول.

علاء: خير ..فرملت ليه ياعم حسان ؟

حسان : أبدا يافندم .. أصل سؤالك ... لأ مفيش أنا بس سرحت شويه.

علاء: طب قوللى ياعم حسان، انت ممكن تحبنى أكتر من ولادك؟

حسان : أنا باحبك يافندم، بس كل أب بيحب ولادة أكتر من أى حد تانى.

علاء: يعنى عمو صفوت كداب لما قاللى بيحبنى اكتر من ولاده؟ ولم يجبنى عم حسان، وراح يشغل كاسيت السيارة، وكانت أغنية "حلو وكداب".

* * * *

عزيزى محرر البريد الأستاذ تامر عبد الوهاب مطاوع

لن أطيل عليك قصتى , وأقول للسادة قراء البريد سوف أكمل قصتى معكم فى عدد الجمعة القادمة.

كلمة المحرر:

أقول لكانب هذه الرسالة : تحضرنى مقولة للكاتب اليابانى الساخر برنارد أحمد شو " يرتكب الزعماء الكثير من المآسى للوصول للكرسى الرئاسى" , وسوف أقوم بنشر هذه القصة على حلقات , ولكن يحضرنى بعض أبيات الشعر كتبها الشاعر المعاصر وائل عبد الرحمن الابنودى , وهو نجل الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودى الذى أمتع مصر قبل خمسين عاما :

المصرى مخلص لبلدة من ميلادة لغاية الممات تاريخة مشرف فى كل الحروب و الغزوات

كل طموحه كباية شاى و معاها واحدة بقصماط يتعشى وينام , ويصحى ناسى كل اللى فات

تقرص عليه فى عيشته يتنهد فى سره ذى البنات بكتيره , ينفس عن حسرته بتلات أربع نكتات

موجود منه عسكرى بأجر يومى جوز جنيهات و نوع تانى اسمه رتبة , بس يوميته بالآلافات

ومنه كمان عباقرة ومفكرين وأساتذة جامعات يشتغل محلى وكمان للتصدير برة بكل اللغات

عندنا أزهرى بجبه وعمة لزوم الفتوى بالذات ونزل منه معدل بالبدله يشرفك عالعرب سات

محامي و مهندس وطبيب فى كل التخصصات جاهز للسفر برة من ليبيا لغاية دولة الامارات

تسيبه يتغرب وكمان تقاسمه فى حصة الدولارات ضريبة عالعاملين وكمان يوردها بالدولارات

خليه يطعن قدام المحكمة الدستورية فى الكيتكات فى حياته ما حيسافر تانى و ديتها شوية قرارات

حاناخدهم منه فى فاتورة الكهربا مع الكيلوات رسوم نضافة لكن حايدفعهم ياولداه بالالوفات