٢٢‏/١‏/٢٠٠٧

لم يصبه الدور !!


يوم الجمعة قبل اللى فاتت كان آخر يوم لي في الثلاث سنين التأجيل اللي كنت واخدهم من الجيش يعني لازم اقدم نفسي من تاني للجيش يشوفوا ليهم غرض فيه المرة دي ولا حيأجلوني تاني و لا إيه نظامهم بالضبط ...

أيام ما أخدت التأجيل ده كنت متخرج من يجي ست شهور ... بشتغل ومظبط حالي آه بس كان إحتمال دخولي الجيش منطقي وكنت مستعدله نفسيا - حضيع سنة من عمري أو ثلاث سنين بس أنا لسة في أول حياتي - مش أزمة كبيرة يعني ...

المرة دي الوضع مختلف تماما - دلوقتي أنا كبرت وبقى عندي 26 سنة ... بشتغل شغلانة كويسة و في مكان كويس ... خاطب و بستعد للزواج - يعني من الآخر دخولي الجيش دلوقتي يعد كارثة حياتيه بكل المقاييس ...

ببساطة - حأضطر أسيب الشركة - يعني حيتوقف دخلي تماما (الجيش بيدفع مرتب شهري 60 جنيه !!) - حبتدي أصرف من مدخراتي أصلا ... ولما أخلص مستحيل ألاقي مكاني في الشركة لسة فاضي ومستنيني ... الجواز حيتأجل لأجل غير مسمى (عقبال مألاقي وظيفة من تاني) - إلخ إلخ إلخ ...

طبعا وسط الأفكار السوداوية دي كلها كان لازمن ولابد لما أفتح التلفزيون ألاقي قدامي عبود عالحدود فيلم السهرة ليلتها اللي هوه فال حلو قوي قوي قوي - أنا قلت في بالي "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" ... أنا مش ضد الجيش - أنا ضد أي حاجة تيجي في وقت مش وقتها خالص ... زي أخو واحد صاحبنا الكبير اللي أخدوه عالجيش بعد ما كان متأجل كذا سنة فالوقت اللي كان إتجوز فيه و جاب "عبدالله" كمان (عقبال عندكم!)


المهم - أنا إتكلت على الله و صحيت يوم السبت من بدري متوجها صوب منطقة التجنيد في العامرية ...

السيناريو بتاع زمان أيام ما كنت في المصنع قبل ما أنتقل للعمل هنا في القاهرة ... تاكسي للموقف الجديد - ميكروباص للعامرية وسط الزحمة و الزق و الحشرة في عربيات مستحيل حد يصدق إنها لسه بتمشي لحد دلوقتي و سايقها سواقين مجانين بيسبوا بالدين وهما مشغلين إذاعة القرآن الكريم - والعركة الشهيرة كل يوم بين سواقين الميكروباصات والركاب حول ما إذا كانت الكنبة اللي ورا بتاخد ثلاث ركاب ولا هية تم تصميمها - حسب قناعاتهم جميعا - عشان تاخد أربعة رفيعيين ! (ياخد عدوينكم يا رب)

قام الميكروباص اللي كان بيحمل "تجنيد - تجنيد" وهوة مليان شباب زي الورد و كله ماسك المصاحف و قاعد يدعي يا رب مش طلباها جيش خالص اليومين دول ...

وصلنا منطقة التجنيد - مشيت حبة حلوين لحد البوابة الرئيسية ... عسكري أليط واقف عالباب يرد على كل سائل بمكان دخوله ... بتوع التأجيل - آخر بوابة ... المترحلين - آخر بوابة ... الدفعة الجديدة - آخر بوابة ليكتشف الجميع في النهاية إنه كله من آخر بوابة !!

الساعة كانت تسعة الصبح و الشمس لسة مشدتش حيلها وإحنا في الخلاء تقريبا فا لكم أن تتخيلو يعني إيه بقى ساقعة (بررررر بجد يعني !)

إتمشيت للبوابة اللي شاور عليها الأخ العسكور لأفاجىء بطابور سادد عين الشمس ... الطابور باديء من عند البوابة المذكورة بمحاذاة السور مسافة 50 متر كده و بعدين ينقلب بزاوية تسعين درجة وينطلق في عمق الخرابة إللي قدام منطقة التجنيد مسافة لا تقل عن 100 متر تانيين - كل دول بني آدمين ! ... ده غير 500بني آدم تقريبا متجمهرين عند البوابة!!


يعني إللي كانو موجودين لا يقلو عن 1000 بني آدم بأي حال من الأحوال و الناس عمالة تتوافد (الباتش اللي أنا جاي فيها على سبيل المثال لا تقل عن خمسين شاب)

أنا قلت اليوم إضضرب و إنسى موضوع السفر النهاردة على وسط النهار يا عم المتفائل و أدينا واقفين لحد مايكروشونا - ولا مايكروشناش محنا واقفين فالخرابة - طبعا الناس اللي واقفه دي كلها أكيد فيهم بايتين من إمبارح أو أقلها صلوا الفجر في الخرابة !

الإشاعات قاعدة تتناثر إنهم بيدخلوا إتنين إتنين ! ... و إنه مفيش حد دخل من الصبح وطلع تاني (الله يطمنكم يعني) ... أنا قلت صامدون صامدون ... محناش اقل من طلبة الأخوان في جامعة الأزهر ....

شوية ولقينا عربية كارو بحصان و اللي تكشف لي بعد كده إنها مركبة غير مجنزرة تابعة لوزارة الدفاع بتتقدم نحو منتصف الخرابة و عليها إتنين مجندين بالزي المموه بتاع الصاعقة - أي والله - ومحملين العربية قزاير كوكاكولا وبسكوت و حركات من دي و واقفين ولا بياع الكازوزة في السنيما في الثمانينات ... تن تتن تن - بييبس ... تن تتن تن - بيييييبس ...

شوية كمان و جه واحد لابس ملكي و معاه ستاند كلنا حافظين شكله مكتوب عليه 75 قرش بخط كبير و سرعان ما إختلط صراخه المحموم بصراخ المجندين االسابق ذكرهم.. موباااايل - موبااااااااااايل !!

كل ده وإحنا لسة في الخرابة إللي قدام سور منطقة التجنيد ...

.
.
.

مرة واحدة - وبدون سابق مقدمات ظهر عسكري فوق السور (أيوه - فوق السور ... لا قدامه ولا وراه) قال حاجة بسرعة و نط جوه المعسكر تاني ... طبعا مستحيل كنت أسمع قال إيه أنا أو أي حد من اللي حواليا على بعد 120 متر من مكان ما طلعلنا لنفاجىء بحدوث تخللخل سريع في الصفوف الأمامية و ناس بتجري ناحية البوابة ليختفي الطابور في لحظة و يتجمع أكتر من 1000 شاب حوالين البوابة ...

أتاري الأفندي طلع قال مش حناخد بالطابور !! كل عشرة يلموا الورق من بعض وعشرين جنيه من كل واحد و يبعتوا واحد بس بالمتين جنيه والورق يخش يجيب إستمارات !!


صباح القرارات الذكية ... باظ الطابور يأبو جهل ...

طبعا مستحيل ألاقي عشرة أعرفهم في الزحمة دي - وأكيد مش أنا بس اللي كده !!

المهم بعد ما خربوها إهتدى الناس إنه أي حد متطوع إبن حلال يقدر يدخل وسط الزحمة ويجيب الإستمارات دي ياخد الفلوس و الورق ويتوكل عالله ... حظي وقع في ولد بسيط كده و طيب إسمه آدم ... واضح من لكنته أصوله الريفية
آدم أخد الورق و الفلوس ... نمرتك كام يا آدم عشان نتابعك من برة ... آدم معهوش تليفون ... طب حنعرف إزاي إنك طلعت يا آدم في الزحمة دي ... آدم قال إستنوني جنب السور بعد الزحمة على طول ...

ساعة ... ساعة ونص ... الزحمة بتزيد ... و آدم لسة جوه !!

فيه ناس كانت إبتديت تطلع ومعاها ورق أخضر كدة - الواحد فيهم يجري يقف فوق أي طوبة فالخرابة ويقعد ينادي على الأسامي اللي فالورق اللي معاه ... الموضوع إحتاج مني تلت ساعة عشان أكتشف إنه دول المستجدين (على إعتبار إننا خبرة وواخدين تأجيل قبل كدة)


طب آدم ... انت فيين يا آدم؟؟

شوية كمان و طلع صول معاه فرع شجرة و قعد يشتم فالناس اللي واقفة - شتيمة شتيمة يعني من أحط ما يكون ... شتيمة بالأهل و الدين - والناس على أخرها فاليوم اللي ملهوش ملامح ده لحد ما قرر "سيادة" الصول إننا كلنا ندخل من الباب مجموعات ... الأول أمثالي اللي مستنين آدم و أصدقاءه اللي بقالهم ساعتين جوه و بعدين الناس اللي جابوا الإستمارات دي فعلا !

الناس اللي دخلت و أنا منهم وقفنا عدة طوابير جنب بعض (نظام فطري) قام جه شوية عساكر و طلبت معاهم يخربوا الطوابير و يعملوها تاني من أول وجديد وسط زق و قلة أدب أصبحت مكررة !

شوية دخل الصول أبو فرع شجرة ... معجبوش إزاي الشباب المؤهلات العليا اللي شكلهم محترم دول يبقوا واقفين طوابير ... فا قرر أنه كله يقعد على الأرض في مكانه ! ... محدش إشتكاله - بس هوه حابب يبالغ في مرمطة الناس اللي موجودين ...


وإحنا قعدين نسب و نلعن إذا بالأخ آدم يظهر بعد أن مر على وجوده بالداخل حوالي ساعتين إن ماكنش أكتر و هوه متفرهد و إبتدا يوزع علينا إستمارة و شوية ورق صغير متقطع مكتوب عليه فئات نقدية (أربعة جنيه - جنيه و نص ... كده) و 2 طابع تنمية (عشرين قرش) + ورقنا اللي بعتناه بيه ...

طبعا مكنش فيه حيل عشان حد يسأله كنت بتعمل إيه كل ده و لا عملوا فيك إيه ... كل واحد أخد الورق وهوه ساكت بس لفت إنتباهي أنه مجموع القيمة الأسمية للورق اللي معايا كان 8.5 جنيه بس مش عشرين ... ده غير التحذير العجيب من إن حد يملىء الإستمارة اللي إن ماخانيش التقدير بتاعة حاجة تانية خالص غير اللي أنا رايح عشانه ....

وأنا واقف قابلت بالصدفة واحد كان معانا في الكليه بس في ميكانيكا معاه الورق و تايه زيي مش عارف إيه الخطوة اللي عليها الدور - إقترحت عليه نسأل عميد كان واقف يتشمس ... إحتمال يكون عارف ..
وإحنا رايحين له عدى جنبنا عسكري شايل شوية ورق فا رفيقي بطيبة قلبه سأله بمنتهى الزوق المفروض نعمل إيه دلوقتي ... قام العسكري الفاضل أشاح بوجهه و شوح بإيده وسابه ولا كإنه بيكلمه ...

قولتله سيبك منه و خلينا فالعميد ده - رحنا له ... سألناه - الراجل رد بكل زوق و أدب علينا (شكلنا مهندسين و ولاد ناس يعني مش صييع) و قالنا نروح الساحة الفلانية ندور على الشخص اللي معاه ورق القسم بتاعنا و ناخد منه موقفنا الجديد و بعدين نروح المنصة نبصم في الكشف اللي مع العسكري اللي هناك


أول خطوة كانت سهلة و لطيفة قوي و أخدت ورقة بتقول "لم يصبه الدور وغير مطلوب للتجنيد نهائيا" واللي إكتشفت إنها طالعة من قبل العيد (يعني من أكتر من إسبوعين فاتوا) ...
تاني خطوة بقة كانت هية القشة اللي قصمت ظهر البعير ... المفروض كل الناس دي تبصم في كشف واحد عند عسكري واحد سليط اللسان واقف بيسب بالدين للناس وللي علمهم إلخ إلخ - صباح عقد النقص عيني عينك كده
الكوميدي إنه بيبصم الناس على أي إسم عشوائي فالكشف - المهم أنه الكشف يكون كله بصمات ! وكمان بياخد الإستمارات الفاضيه من الناس تاني و يحطها جنبه هيه وأي دليل يثبت إننا دفعنا قرش للوابش دول (ممكن قوي يبيعوا نفس الورق بكرة للفوج اللي بعدينا)

حظه بقه إني كنت في أول الناس اللي قدامه و هوه بيلقي وصلة جديدة من الشتيمه (سب الدين) ... فما كان مني إلا إني طبقت الورقة اللي أنا محتاجها منهم و حطيتها في جيبي و أخدت أخينا ده شطفته و زعيق بزعيق بقه بس من غير شتيمة ...
هوووب جه صول عالزعيق و عمال يشخط و يقول فيه إيه و بتاع ... قمت واخده ورصيتهمله و أنتوا سبب الهرجله دي ... إنتوا اللي بتبوظوا أي نظام ... محدش فيكم عنده عقل يفكر و فالحين في قلة الأدب و إنتوا ماتسووش حاجة أصلا - إنتوا نصابين ... هوه فيه حد بيبصم جنب إسمه أصلا ...
فضييت كل الشحنة اللي عندي من الصبح و قمت واقف في وسط الزحمة و قلت للناس دول حرامية و نصابين و لوحد فيكم فلوسه حلال يقطع الورق ده عشان ميبعهوش لحد تاني و قمت كخشششششت مقطع الورق و رميه على الأرض و مشيت من غير ما أبصم فالكشف :)

واضح إنهم خافوا لما لقوني بزعق لأكون واصل (أصلي كنت ببخ فالكل عيني عينك كده وبفلقطلهوم فمنطقتهم) - فا محدش كلمني و كام واحد حواليه قاموا مقطعين الورق همه كمان و رموه للعسكري و مشيوا ...


وزارة الدفاع المصرية ...
تييييييييييييييييييييييييييييت

٢‏/١‏/٢٠٠٧

كل سنة وانتي طيبة يا مصر